مقـــــــالات

  لك العزاء يا وطني ..! / غالي بن الصغير

  لك العزاء يا وطني في مصيبة كرو ؛ وخطبها الجلل ؛ ولك العزاء يا وطني في كلّ قنبلة عقارية موقوتة في أنحاء ربوع وطننا ؛ نخشى من انفجارها .
صارت أي خصومة نذير شؤم على أصحابها ؛ فرسل الإدارة همها جباية المال ؛ وابتزاز الضحيتين ؛ حتى إذا اشتد الأمر وأطلّ رأس الفتنة ؛ووقع ما لاتحمد عقباه ؛

كشّرت الدولة عن أنيابها وبعد فوات الأوان ؛ بالحبس والسجن لذوي الطرفين؛ وكانت كحاطب ليل ؛ يجمع بين قطن ناعم وثعبان قاتل .
فالإدارة لا تخمد حريقا ؛ ولا تنقذ غريقا ؛ولا تطفئ فتنة ؛ ليس لها من عمل سوى تأجيج نار الخصومة ؛ واضطهاد المكلوم ؛ ورعاية القلاقل؛ وتذكيها بالمحاباة والرشوة ؛ فالوالي والقاضي صارا فينا كحفّاري قبور ؛ قوتهما وبهجتهما في كثرة نعوشهما.
وبعد كلّ فاجعة تفرض الدولة هيبتها المهزوزة بحظر محلّ النزاع ؛ وذاك يشفي غليل   المعتدي؛لأنّه لم يخسر شيئا إن كان حيا؛ ويجتمع أولياء الخصومة ؛ وبعد الصفح والعفو وكظم الغيظ ؛ تتحمل الجماعة الديّة والأرش ؛ وذاك مكسب ثان ونصر مؤزر المعتدي  إن كان حيا؛ لأنّه حرم صاحب الحق من حقه
يظلّ القاضي سنين يصبح ويمسي على كرسيه وهو عاجز عن فضّ نزاع واحد ولو تافه ؛ بل الأدهى والأمر أنّ القانون الموريتاني لا يلزم القاضي بإصدار حكم .
والوالي لا همّ له في الشأن العام سوى دكاكين أمل ؛ وتوزيع علف في يوم عصيب ؛على الأقلّ يكون ذالك في وسائل الإعلام .
فلماذا لا يصدر القاضي حكمه في عشرات القضايا أمامه ؛ فالوحي انقطع ؛ وحكمه لا يحلّ حراما ؛ ولا يحرم حلالا ؛ وإنّما يراد منه رفع النزاع ؛ فماذا ينتظر؟.
ولماذا السلطة التنفيذية لا تفرض هيبتها؛ وأن تنسف ما رسخ في قلوب العامة ؛ فهي عندهم لا تحق حقا ؛ ولا تردّ غصبا ؛ وأقصى ما تفعل هو تحريم محلّ النزاع بعد انفجار البركان ؛ وتلك غاية عند أحد الخصمين.
فيا ترى متى تطبق الدولة في شعبها قانون السماء أو الأرض وشتان ما بينهما ؛ فمعلوم أن الجميع يرزح تحت قانون الغاب ؛ أٌقوياءه الوجيه والنافذ والرشوة والمحاباة .

 

 

 

 

 

 

 

 

 هناك بين كثبان الرمل في إحدى الصحاري الواعرة،وفي ليلة ممطرة لدغته أفعى سامة لاينجو من

 سمها إلا من كان-وكما يقال-بسبعة أرواح،بعد جهد يذكر دبر أهله وسيلة نقل وحملوه إلى أقرب المدن ليتلقى العلاج،وفعلا بعد ثلاثة أيام من الألم المستمر والقلق وصلوا به إلى المستشفى. عند باب المستشفى توقفوا يبحثون عن من يفتح عنهم،فأين البواب؟! آه إنه هناك يمازح إحدى البائعات جانب حائط المبنى! آآآه لو أنه يعرف ماتعانيه هذه الأسرة المسكينة! بعد أنتظار دام خمس دقائق مرت على العائلة القلقة وكأنها ساعات عدة تنبه البواب إلى وجودهم وتقدم نحوهم بخطى بطيئة كأنه يفارق شخصا غاليا على قلبه فراقا أبديا... فتح الباب،دخلوا،وإلى قسم الحالات المستعجلة توجهواّ؛داخل البناء أحتاروا أي الجهات يقصدون فهذه أول مرة يزورون هذا القسم من المستشفى. مر بهم أحد عمال النظافة فسألوه أين يجب أن يتوجهوا؟ لم يأبه لحالهم كثيرا،أشار لهم بيده إلى الجهة المختصة دون أن يتفوه بكلمة،ومع نهاية الممر أستقبلهم أحد الأطباء وأدخل بعضهم غرفة مع المريض ثم ناول أكبرهم سنا ورقة كان قد ملأها لتوه وقال:أحضر هذه الأدوية بسرعة. أخذ الرجل الورقة وذهب مسرعا بأتجاه الصيدلية وهو مدرك أن أخوه قد يفارق الحياة في غيابه فمنذ ثلاثة أيام وهو غائب عن الوعي. عند باب الصيدلية انتظر أكثر من نصف ساعة حتى يحين دوره،كان يتساءل ترى هل معي مايكفي لتسديد هذه الفاتورة؟ماذا لو كان المبلغ كبيرا؟..أووووف يبدو أن الأدوية باهظة الثمن...! حان دوره فأخذ الصيدلاني منه الورقة وطلب مبلغ7000 أوقية،أدخل يده في جيبه وبحث طويلا ثم أخرج 8000 ،فرح جدا حين وجد أن المبلغ بحوزته عدها ثم سدد المبلغ وقبل أن يكمل جمع الأدوية رد له الصيدلاني إحدى أوراقه النقدية قائلا:(خرص كان أحذاك شي ماه هذي،هذي ماه نافعه شي)،رد الرجل يده إلى جيبه وأخرج الورقة الأخيرة المتبقية فيه وناوله إياها... عاد الرجل إلى غرفة أخيه وعند الباب نظر إلى أفراد عائلته فأفتقد أمه فسأل:أين الوالده...؟ أجابوه:ذهبت تسدد فاتورة السرير. اطمأن الرجل على أخيه ثم ذهب ليتدبر أمره؛تدين من أحد التجار بمبلغ يكفي لعلاج أخيه ثم عاد مسرعا إلى المستشفى وعند الباب أوقفه البواب فوقت الزيارة لم يحن بعد،طلب منه الإذن بالدخول وشرح له ظروفه مرارا فكان يرد ساخرا:انتظر ساعتين وستدخل. يئس وجلس جانب الباب منتظرا وقت الزيارة ولكنه تفاجأ حين لاحظ أن البواب يدخل بعض الزائرين ويمنع بعضهم،حينها غضب ورفع صوته مطالبا بالدخول وبعد دقائق دخل بواسطة أحد الأطباء الذي كان قد جاء متأخرا. مضت خمسة أيام على العائلة داخل المستشفى،كانت فيها كالدمية بأيادي الممرضين أصحاب شهادات الإعدادية كما أتعبتهم مطاردة عمال النظافة من مكان لآخر وفي كل ليلة كانوا يسهرون بين الممرات على زغاريت الناموس. صبيحة اليوم السادس كانت العائلة تنتظر قدوم الطبيب الذي كان قد وعدها بإخراجها من المستشفى صباحا بعد شفاء مريضها ولكنه تأخر أكثر من ساعتين عن موعده المحدد ومازالت العائلة تنتظر...


  إعليه ولد حمادي

 

 

 سياسة الدين، ودين السياسة..قراءة في المفهوم، والتطبيق/ سعدبوه ولد الشيخ محمد

لقد ظلت مسألة علاقة الدين بالسياسة تطرح إشكالا كبيرا منذ وقت ليس بالقريب، بين من يرى أن الدين، والسياسة لا يجتمعان، مطبقا مقولة "ما لله لله، وما لقيصر لقيصر" ومن يعتقد جازما أن السياسة، والدين مرتبطان ارتباط الروح بالجسد، والفصل بينهما عار الدنيا ونار الجحيم.
وإذا ما عدنا للتاريخ الإسلامي – خصوصا في صدر الإسلام- لا نجد هذا الإشكال حاضرا، بقدر ما هو موجود عندنا، فلقب "الإمام" – وهو لقب ديني- كان يطلق على خليفة المسلمين، وهو أعلى منصب سياسي حينها، بل إن النبي صلى الله عليه وسلم كان بمثابة الرئيس، وقائد القوات، وإمام المسجد، ولم يكن هناك أي تعارض، أو تنافر بين هذه الأدوار.

وإذا عدنا إلى النصوص القرآنية نجد أن مصطلح "الحكم" جاء مقرونا بالدين، في غيرما آية، منها قوله تعالى(وأن احكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم) وقوله تعالى:( فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما) وقوله جل من قائل:(ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون) صدق الله العظيم.

فالسياسة، والحكم يكتسبان شرعيتهما، أو مشروعيتهما من الدين، فلماذا إذا تطرح قضية فصل الدين عن السياسة؟ مادام الدين صالحا لكل زمان ومكان؟؟ أين الإشكال؟ هل هو في سياستنا، أم في فهمنا للدين؟؟

أسئلة كل واحد منها يصلح ليكون عنوانا لبحث طويل، ولكن أعتقد أن من بين أهم أسباب هذا الجدل المثار حول علاقة الدين بالسياسة هو: أننا أصبحنا نوظف الدين لخدمة السياسة، بينما كان السلف يفعلون العكس، يستخدمون السياسة لنصرة الدين فمن يرفعون شعار الدين الآن لا يسوسوننا بالدين، بل يستدعون من الدين ما يخدم أجندتهم السياسة، وقد يرد البعض هنا بالقول: إن الدين في حد ذاته واسع، ومفهوم مطاطي يتيح لكل صاحب شعار أن يجد تبريرا لشعاره من الدين، ويمنح كل صاحب فكرة سندا يعضد به فكرته، ليبدو الإشكال هنا في فهم الدين، فمن يقتلون الناس، ويقطعون أيديهم، وأرجلهم من خلاف في مالي، وأفغانستان، ويحرمون الاستماع للإذاعة، ومشاهدة التلفزيون، ويمنعون الذهاب إلى المدارس يفعلون ذلك باسم الدين، كما أن من يسكنون في فنادق خمسة نجوم، ويركبون آخر موديلات السيارات، ويدرسون أبناءهم في أرقى الجامعات العالمية، بل ويستمعون للموسيقى، ويصافحون النساء ، ويفتون بقتل المسلم لأخيه المسلم يفعلون ذلك أيضا باسم الدين، فقد اختلط "التأويل" بالدليل، فالدليل الشرعي (آية، أو حديثا) لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، بينما التأويلات بعضها مضل، وما ضل امرؤ إلا بتأويل.

بيد أن الأخطر في ما يفعله السياسيون الذين يتحدثون باسم الدين أنهم يقولون للناس: انتخبونا لأننا الأكثر محافظة على الصلاة في المسجد، ولا نستخدم الموسيقى في حملاتنا الانتخابية، ونفصل بين الرجال، والنساء في المهرجانات، ونصوم من كل شهر ثلاثة أيام، فهذه أمور ممتازة، ولكن نتيجتها تعود للشخص نفسه، لا لغيره، فمن عمل صالحا فلنفسه، وهي في النهاية نتيجة أخروية، بينما الناس يذهبون إلى صناديق الاقتراع لينتخبوا من يخفض عنهم الأسعار، والضرائب، ويزيد الرواتب، ويحسن الصحة، والتعليم، والأمن، والبنى التحتية، وربما لا يهمه كثيرا كم يصوم من الشهر، وما إن كان ملتحيا أم لا، وهل يسمع الموسيقى أم لا.

ثم إن من يرفعون شعارات دينية في السياسة – في الغالب- لا يتصفون بالورع، والزهد في الدنيا، وعفة اللسان، فهم سياسيون مثل غيرهم يتنعمون بما لذ وطاب، ويطلقون العنان لألسنتهم ليتهموا من شاؤوا، ويسبوا من أرادوا من خصومهم، ولا نجدهم أيضا يتورعون عن الشبهات، بدليل أنهم يأخذون رواتبهم دون أن يستحقوها- في بعض الحالات-، مثل الموظفين الآخرين... وهكذا.

كل هذه المعطيات تجعلني أنصح الجميع بأن لا يكلوا دينهم إلى السياسيين، مهما ادعوا لأنفسهم من ورع، فهم في النهاية "ايعدلو السياسة" كما نقول بالحسانية، وليسوا قدوة، مثل الصحابة، رضي الله عنهم، الذين قال الله تعالى في حقهم:(فإن آمنوا بمثل ما آمنتم به فقد اهتدوا) فسياسيونا المتأسلمون، أو مسلمينا المتسيسين ليسوا كذلك، مهما حاولو أن يوهمونا بذلك.

سعدبوه ولد الشيخ محمد

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ


 

رسالة ماجستير تتناول البعد المقاصدي في فتاوى العلامه عبد الله بن بيه

أكدت أحدث رسالة ماجستير ، أن الشيخ ابن بيه أبرز دعاة استثمار المقاصد في فقه النوازل المعاصرة   منتهجا التيسير والتنزيل دون التنازل عن الثوابت الشرعية  .

الرسالة حصل عليها الموريتاني الأستاذ الحسن بن غلام  –بأعلى الدرجات  تحت عنوان « استثمار المقاصد في فقه النوازل المعاصرة؛ الشيخ عبد الله بن بيه أنموذجا ».

وأجازتها لجنة شكلتها جامعة ابن زهر المغربية ، ضمت الأساتذة: الدكتور عبد الكريم عكوي رئيسا و الدكتور الحسن الرغيبي مناقشا والأستاذ الدكتور عبد الواحد الإدريسي مشرفا

«الشبكة» التقت الأستاذ الحسن بن غلام وحاورته حول مضمون الرسالة ونتائجها وتوصياتها.
 أسباب اختيار الموضوع
ما أسباب اختياركم للموضوع؟
- لقد دفعني إلى اختيار هذا الموضوع عدة عوامل؛ منها:
- تعلقه بحقل عظيم من الدين، وهو مقاصد الشريعة...
- تعلقه بالنوازل المعاصرة...
- اهتمامه بالإنتاج العلمي لعلَم من علماء الأمة الإسلامية في العصر الحاضر، ألا وهو العالم العلامة عبد الله بن الشيخ المحفوظ بن بيه – حفظه الله -، الذي يعتبر في طليعة العلماء المعاصرين الذين اهتموا بالاجتهاد، سواء على المستوى الفردي أو الجماعي، وتعتبر اجتهاداته من أهم المراجع التي تجد الأقليات المسلمة في الغرب ضالتها فيها، ويرجع هذا إلى ما تميز به الشيخ من الاستيعاب الدقيق والحفظ للفروع والجزئيات، والأصول، والفقه، والقواعد...، التي اكتسبها من خلال خلفيته المحظرية، بالإضافة إلى المعرفة الواعية بالواقع المعاصر.

صعوبات
 ما الصعوبات التي واجهتكم في كتابة الرسالة؟
- أما بالنسبة للصعوبات فوقد واجهتني في سبيل إنجاز هذا البحث عدة صعوبات، لعل أهمها شح المادة العلمية في موضوع الترجمة للشيخ- حفظه الله-، وكذلك صعوبة الانتقاء؛ إذ وجدت الكثير من النوازل.

المنهج
 ما المنهج الذي اتبعته في كتابة البحث؟
- أما المنهج فقد كان شبه استقرائي، وصفي في أغلب الأحيان                 

خطة البحث
 هل اتبعتم خطة محددة في كتابة البحث؟ وما مضمون الرسالة إجمالًا؟
- لقد جمعت المادة العلمية للبحث، وحاولت تصنيفها وترتيبها، من خلال العناوين الآتية:
- مدخل تمهيدي: وفيه ثلاثة مباحث؛ تناول الأول منها التعريف بالشيخ ابن بيه، وتناول الثاني التعريف بالمقاصد، أما الثالث فتناول التعريف بفقه النوازل.
- الفصل الأول: وقد وسمته ب"استثمار المقاصد عند الشيخ في التعبدات والمعاملات"
- الفصل الثاني: وأسميته "قضايا في فقه نوازل الأقليات عند الشيخ ابن بيه".

عناية الامام ابن بيه ياستثمار المقاصد
 ما أبرز المعالم التي رصدتها الرسالة في العلاقة بين العلامة ابن بيه  واستثمار المقاصد؟
-خلصت في نهاية البحث إلى أن استثمار المقاصد كان حاضرا في انتاج الشيخ، وتلك هي النتيجة الكبرى، بالإضافة إلى بعض الاستنتاجات الأخرى

التوصيات

 ما أبرز التوصيات التي انتهت إليها الرسالة؟

أوصيت أن يتجه الباحثون إلى خدمة الإنتاج العلمي للشيخ، الذي لا زال يستحق الكثير والكثير جدا من الخدمة، وأقترحت أن يتمم ما بدئ هنا، لاعتراف صاحبه بالنقص، ويتجه إلى بقية المجالات الأخرى.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ


راهن " الشعرية العربية "

مساهمة في كشف الهوية والهوية المضادة                                  الجمعه:08 ـ 11 ـ 2013

د.الشيخ ولد سيدي عبد الله
1– من العمود إلى الشعرية :

بداية يجب أن نطرح سؤالا وجوديا، عن هذا المنتج الذي يمكن تسميته بالأدب العربي، هل لنا أدب يحمل خصوصيتنا الثقافية؟ هل من الممكن اليوم القول بوجود أدب عربي صرف، بغض النظر عن اللغة المكتوب بها؟.
إن الحديث عن جدلية الحداثة، بنهوضها وسقوطها، منذ (ابن حذام) وحتى اليوم، لم يعد مشخصا للمأزق ال
ذي يعيشه الإبداع العربي، بحيث أن المشكلة لا تكمن في الأصول، ولا في البحث عن خصوصية النوع أو الشكل أو الجنس... لقد تغيرت مفاهيم التعبير في الأدب العربي، منذ دخلت المناهج النقدية الحديثة إلى مضاييق البحث الأدبي عندنا، بل ومنذ الثورة اللغوية التي أرستها المدرسة البنيوية، وما تبع ذلك من تفرعات عنها.
ويبدو أن سؤال النوع بدأ يطرح إشكالية كبرى، ذلك أن ما نسميه (شعرا) لم يعد محدد المعالم، وهو الاستنتاج الذي تلقته الدوائر النقدية العربية بنوع من الارتياح، أدى إلى ضبابية في التعريف.. إننا نعيد تأسيس أدب عربي يقطع الصلة بالماضي، ويحاول – جاهدا- إعادة النظر في مفاهيمه بل وحتى مصطلحاته ، فإذا كان سؤال (ما الشعر؟) قد تم تجاوزه والإجابة عليه في تراثنا العربي، فإنه اليوم أصبح مطروحا بصيغة غير بريئة، لأن تداخل وتعالق أنماط التعبير يفرض التساؤل أكثر عن خصوصية هذا الجنس، الذي نسميه ( شعرا ).
يقول " رومان جاكبسون ":".. إذا أردنا أن نحدد هذا المفهوم ( الشعر) علينا أن نقابله بما ليس شعرا، إلا أنه ليس من السهل أن نقول اليوم ما لا يكونه الشعر "(1).
وقد أخذ بعض نقادنا هذا الرأي على علاته، وحاول من خلاله أن يسوغ لأجناس أدبية جديدة، قاحما إياها في دائرة الشعر، ذلك أن الشعر الذي نريده في اعتقاد أصحاب " مجلة شعر " – مثلا - أقرب إلى المدارك مما نتصور، وهو ما يتطلب منا تحطيم كل المتاريس والحدود، و التوقف عن الجامع المانع في التعريف، والإنصات لما يسمى : ( الشعرية المفتوحة )، فليست هناك حدود قائمة بين الشعر وبين ما ليس شعرا.
هذه النظرة السطحية للقول الشعري تتأتى من خلفية تعتقد أن المواصفات التي وضعها النقد العربي القديم للشعر، لا تعد قارة أو معقولة ، فليس بالضرورة أن يكون الكلام مقفى لكي يكون شعرا، وإلا اعتبرت المقامة وسجع الكهان وبعض سور القرآن الكريم أشعارا، كما أنه ليس من اللازم أن يكون الكلام دالا على معنى، وإلا لما اعتبرت السوريالية مدرسة إبداعية مؤثرة، لها مريدوها الكبار.
الشعرية المفتوحة فرضت نوعا من تدمير الحدود بين أجناس التعبير، وأصبح الأمر مقتصرا على عمل اللغة في القول: تفجيرها والاعتماد عليها، في إمكانية الانتساب للجنس المطلوب.
وقد تم الترويج لهذه النظرية بعد اطلاع منظري الحداثة العرب على مقال بارت (مسافات الأدب) والذي دعا فيه إلى الانفتاح على آداب الشعوب المنسية، بما فيها تلك التي نعتبرها كالمخلوقات الغريبة، بلا أدب ولا شعور .
ولذلك لا غرابة أن تتنافس المجلات الشعرية العربية اليوم على إعداد ملفات عن الشعر البنغالي مثلا أو الصيني أو القوقازي ... بحثا عن شعرية مفتوحة .
ليس هناك من يدعو لعدم الانفتاح، ولكن يجب أن لا يكون أداة لمحو ثوابت إبداعية، وقومية إن فقدت، لن يكون للشعر العربي وجه ولا قفا.
هكذا إذن تتبدل الصورة التي حفظتها الذاكرة العربية عن ديوانها .. بل إن ديوان العرب لم يعد مقتصرا على الشكل النمطي الذي اتصف به على مدى تاريخه، إنه الآن عبارة عن كل تلك الخطابات التي تحمل بداخلها شعرية معينة، ومن ثم لا غرابة أن تكون الرواية والمقالة، وحتى الخطاب اليومي جزء من ديوان العرب.
وليس غريبا كذلك أن تشكل تلك الأجناس نصوصا لها خاصية النص وحمولته، وقبل أن ندخل في إشكالية النص وغيره من المفاهيم التي غيرت هي الأخرى من أشكال التعبير عندنا، علينا أن نعترف بأنه حتى في تراثنا الأدبي، وجدت نصوص شعرية وأخرى نثرية خلفت جدلا نقديا، كاد أن يكون بداية لثورة إجناسية في الإبداع العربي ، يقول الدكتور" عبد الواحد لؤلؤة".. لا أحسب أن أحدا علم ذلك الشاعر الجاهلي أن ينشد :

أقفر من أهله ملحوب فالقطبيات فالذنوب

ولست مطمئنا إلى اليوم كيف (تنشد) تلك القصيدة الهائلة، ولا أقول كيف ( تقرأ ، كم من الشعراء الجاهليين كان يقول : ( لست بقارئ )، ولكنه يعطيك من القول أحسنه ؟
كم من البحور عرف الجاهليون قبل أن يقننها لنا الخليل؟ كم من الأشكال الشعرية عرف الخليل والرواة من قبله؟ كم منها أبقوه لنا وكم تركوا؟..(2).
إننا هنا أمام إشكالية التدوين ، فهل ما وصلنا هو كل ما قاله العرب من شعر وما دونوه من شكل؟ ألا يكون من المنطقي التساؤل عن أصل كتابة القصيدة العربية التقليدية بشكلها التناظري، هل هذا ما كان الجاهليون ومن بعدهم العصور الأخرى يفعلون عند ما يكتبون نصا عموديا؟ وهنا أيضا تبرز إشكالية الجنس في تراثنا العربي. يقول " السكاكي" عن قصيدة " عبيد بن الأبرص " ( أقفر من أهله ملحوب) : "هذه القصيدة عندي من عجائب الدنيا، في اختلافها في الوزن، والأولى فيها أن تلحق بالخطب، كما هو رأي الكثير من الفضلاء" (3).
ويقول عنها " ابن رشيق" في معرض حديثه عن الزحاف: " ومنه قبيح مردود، ولا تقبل النفس عليه، كقبح الخلق واختلاف الأعضاء في الناس، وسوء التركيب، مثاله قصيدة عبيد المشهورة ( أقفر من أهله ملحوب)، فإنها كادت تكون كلاما غير موزون بعلة ولا غيرها، حتى قال بعض الناس: إنها خطبة ارتجلها فاتزن له أكثرها .." (4).
هذان الرأيان يستندان في حكمهما إلى خلفية عروضية بحتة، ذلك أن وحدة البحر في النص كانت كفيلة بأن تجعله نصا شعريا، غير أن العروض بمعناه التقليدي لم يعد أمرا خاصا بالشعر، فهو فاقد الجدوائية أمام تنظيرات " هنري ميشونيك" عن ( الإيقاع) والذي اعتبره هو الشعر بعينه.
إن النقد العربي الحديث يبحث عن ما سماه قدرة الشاعر على خلق إيقاع في نصه، وليس مهما اسم البحر ولا وحدته، يقول " كمال أبو ديب" متحدثا عن قصيدة عبيد الآنفة : " قصيدة عبيد تستغل الإمكانيات الممكنة في التشكيل .. لا يهم كثيرا أن نسمي البحر، الأهم أن نرى القدرة العجيبة على خلق إيقاع مرهف، تتشابك فيه عناصر إيقاعية أساسية، ذات قيم مختلفة بعض الشيء، لكنها كلها تسهم في إغناء البنية الإيقاعية، وتحول التلاحم النغمي إلى فاعل حيوي شيق في نفسه، باعتباره وسيلة تعبير فقط، إن عمل عبيد أول قصيدة من الشعر الحر في الشعر العربي..." (5).
وهكذا يمكن القول : إن الاستفادة من مناهج النقد الغربي، والتي توجه إلى لحظتنا هذه حركة الإبداع العربي ككل، ساهمت في العودة إلى الجذور من زاوية نقدية غير تقديسية، ولكنها من جهة أخرى خلخلت الكثير من الأحكام عن النمط الابداعي العربي، عن عمود الشعر، عن عروض الخليل، عن السرقات، عن البلاغة التقليدية، فالأدب العربي اليوم ككتاب المفتوح، لأنه أضحى مشرعا على الفلسفات والعلوم الإنسانية محاولا الاستفادة منها ، دون أن يدرك أنه أمام تحد عاصف.
إنه أمام مساءلة صريحة للتراث، قبل أن يساءل الحداثة، ولقد خلقت تلك المساءلة جملة من المسلمات، فتحت الباب أمام الكثير من أجناس التعبير لكي تتسرب إلى جسم الأدب، ذلك أن ( عمود الشعر) ـ مثلا ـ لم يعد مقياسا إجناسيا للنص، بل حلت محله " الشعرية "، وهي مجموعة الصفات التي إن تحققت حتى في حديثنا اليومي يصبح شعرا، وكلنا نتذكر كتاب ( جورج لا يكوف ومارك جونسون ) " الاستعارات التي نحيا بها " (ترجمة عبد المجيد جحفة عن دار توبقال ط الثانية 2009 )، وقد حاولا في هذا الكتاب رصد شعرية الخطاب اليومي وما يتضمنه من استعارات، قد لا ندركها نظرا لتماهيها مع إدراكنا اللحظي، ومن هنا يكون لكل انتاج بشري شعريته، وهو ما حدا بالنقاد العرب إلى استخدام هذا المصطلح كثيرا في بحوثهم ، سواء منها المتمحورة حول الشعر أو النثر.
إن ما ينشده النقد العربي اليوم، هو الكشف عن الشعرية في كل ما يصدر عن المبدع، مهما كان نوع إبداعه..
وهذا ما فتح الباب أمام إشكالات، ولدت أنماطا من التعبير لم تكن مألوفة، بل إنها لم تكن معقولة في تسميتها مثل ( قصيدة النثر ) هذا الاسم المركب من متناقضين ، الشعر والنثر، سوف يترك حلبة الصراع بين الثابت والمتحول في شعريتنا مفتوحة أمام كل الاحتمالات، ينضاف إلى ذلك ما تفرزه النظريات النقدية من قضايا تمس الإبداع من داخله.. ومن حيث يتأسس.
فقصيدة النثر تعرف بأنها قصيدة تتميز بواحدة أو أكثر من خصائص الشعر الغنائي، غير أنها تعرض في المطبوعات على هيئة النثر، وهي تختلف عن الشعر النثري بقصرها وبما فيها من تركيز، وتختلف عن الشعر الحر بأنها لا تهتم بنظام المتواليات البيتية، وعن فقرة النثر بانها ذات إيقاع ومؤثرات صوتية أوضح، مما يظهر في النثر مصادفة واتفاقا من غير غرض، وهو أغنى بالصور وأكثر عناية بجمالية العبارة، وقد تكون القصيدة من حيث الطول مساوية للقصيدة الغنائية، لكنها على الأرجح تتجاوز ذلك..(6).
أليس هذا شيئا جديدا وغريبا وهلاميا؟ عندما نربط بين الشعر والنثر من حيث الشكل؟ .
إن النقد العربي في تعامله مع قصيدة النثر، اصطدم بإشكالية تلق كبرى، خصوصا وأن هذا الأخير - أي المتلقي- أضحى من وجهة نظر مدرسة التلقي الألمانية، هو صاحب النص وليس الشاعر أو المؤلف، وهكذا ـ وبسب فوضى التلقي هذه ـ سقط النقد العربي في دوامة أساسها تعدد وضبابية المفاهيم، فهاهو"عز الدين المناصرة" يرصد خمسة وعشرين اسما لقصيدة النثر، مبررا ذلك بأن الهدف من خلق هذا النمط التعبيري، هو الخروج عن مفهوم الوزن والقافية، ليعتمد المنظور الرؤيوي على الكاتب نفسه وعلى كتابته.
وترى " مارغريت مورفي" أن ما يفسر تعدد أشكال قصيدة النثر والصعوبة التي يواجهها من يحاول تعريفها هو إرادتها الفوضوية التي تكمن في نشأتها (7) .
غير أنه وفي استشراف لمستقبل الأدب العربي فإن قصيدة النثر ليست السقف الإبداعي الأخير الذي وصلت إليه الشعرية العربية والقصيدة العربية في استقصاءاتها الفنية، وهو ما يعني بأن سقف التجديد في هذا الأدب لم يكتمل بعد. مما يؤمئ إلى أن شهية المتلقي العربي لا تزال مفتوحة بشراهة متوحشة.

2 - الشعرية والتلقي :

يقول الدكتور " عبد العزيز حمودة " : " لا وجود لمعنى مستقل للنص خارج أو قبل عملية القراءة، كان المؤلف قد مات منذ سنوات قليلة، والآن بعد أن أصبح القارئ هو الذي يصنع النص ومعناه، انتقلت السلطة بالكامل إلى القارئ.(8)
لقد ترسخت سلطة القارئ يوم كتب " رولان بارت " مقاله ( موت المؤلف ) عام 1968، حيث صار للقارئ الحق في توجيه النص نحو الجهة التي يريد، وليس محكوما بقراءة سابقة ولا برغبة في الفهم يرغبها المؤلف.
ولكن رفض قصيدة المؤلف من طرف القارئ لا يصب في صالحه، خصوصا عند ما يتعلق الأمر بالنصوص (الغائبة)، التي يشترك المؤلف والقارئ في معرفة منبعها، فما دامت تحتمل التأويل، فإن الفهم الراسخ عن بعضها مثل الأساطير والحكايات الشعبية، يعيد للمؤلف شيئا من سلطته على الرغم من أن "تأويل لغة التصور في ضوء معطيات اللغة الإدراكية وعلاقاتها، تأويل يحد من طاقة اللغة ويحاول استيعاب مجالات التصور، عن طريق خنقها وإحالتها إلى مجالات إدراكية جاهزة وتامة.."(9).
غير أن نقاد نظرية التلقي في ألمانيا وأمريكا، قد فطنوا إلى خطورة سلطة القارئ على النص، وفي مقدمة تلك المخاطر فوضى التفسير، فحاولوا تقديم ضوابط للتفسير تدعى عند البعض بــ ( الجماعة أو الجماعات المفسرة ) وعند البعض الآخر بــ ( أفق الانتظار)، وهو بحق الضمان الحقيقي لاكتشاف اللذة الشبقية لأي نص.
وقد أدرك الدكتور " إدريس بلمليح " كيف أن أفق الانتظار غير مقنع في تعامله مع الاستعارة الشعرية باعتباره ( مجرد أفق لغوي ومعرفي جاهز ومتصلب، أي أنه يخضع لما هو قائم في اللغة الطبيعية وفي العالم من قوانين صارمة، هي التي تعتمد في تجربتنا اليومية، وفي تواصلنا حول هذه التجربة، ولذلك فإنه إذا اعتمدنا هذا الأفق في محاولة فهم استعارة ( موت البحر ) لم نكد نجد محتوى أو دلالة لهذه العبارة، التي تفصلنا بشكل جذري عن الآلية، التي يتم بها التواصل اليومي (10).
ولكن إذا كان أفق الانتظار لا يساعد على فهم الاستعارة الشعرية كما ينبغي، فهل يساعد على اكتشاف النص الغائب؟ .
إن الهدف من القراءة هو إنتاج دلالة للنص المقروء، ذلك أن لكل قراءة دلالة خاصة بها، غير أن لإنتاج الدلالة وسائل وطرق ، وهي التي يعتبرها " ريفاتير " مجرد مراحل من مراحل قراءة النص.
من هنا .. من القراءة والقارئ، بدأ التحول الجذري في نوعية العلاقة بين المبدع والمتلقي، حيث ولد مفهوم ( النص ) وانبثق عنه مفهوم التناص أو النص الغائب أو عبور الكتابة، وأمام هذه المفاهيم تذوب حقيقة الجنس الأدبي، بحيث تكون كل المظاهر الحياتية قابلة لأن تصبح جنسا أدبيا قائما بذاته.
يقول " جاكبسون " العمل الشعري والعمل غير الشعري لهما حدود متقلبة ومتغيرة، أكثر من الحدود الإدارية لأقاليم الصين ، فكان " توفاليس" و" مالارميه" يريان في الألف باء أكبر عمل شعري، وكان الشعراء الروس يعجبون بالخصائص الشعرية للائحة الخمور ولائحة ثياب القيصر (...) كثير من الشعراء اليوم يؤكدون أن التحقيق الصحفي، عمل فيه من الفن ما لا يوجد في الرواية أو القصة(...)، إننا نجد اليوم صعوبة في التحمس لقرية صغيرة جبلية، في حين تبدو الرسائل الحميمية التي كتبتها " بوزنا نمكوفا " عملا شعريا فذا ..(11).

3 - سلطة التراث وحداثة المصطلح :

من هذا المنطلق تتداخل الحدود بين الشعر والنثر، فلم يعد هناك مجال للحديث عن الفارق بينهما ، ولم يعد مقياس الجودة كامنا في الإيقاع أو الاستعارات، ولم يعد مطروحا أمام المتلقي سجل يضبط فيه تواريخ النصوص الشعرية، لأنه ليس معنيا بتوثيق شجرة نسب القصيدة، إن عليه أن يبحث عن شعرية النص الإبداعي التي " تتجلى في إدراك الكلمة لا ككلمة ، ولا كمجرد بديل عن الشيء المسمى، ولا كتفجير عاطفة، و ليست في كون الكلمات ونحوها معناها، وشكلها الخارجي والداخلي.. علامات للواقع لا مبالية بل في كونها تملك وزنها الخاص وقيمتها الذاتية" (12).
وانطلاقا من هذا الرأي بدأ النقد العربي الحديث في إعادة غربلة التراث العربي بجانبيه النقدي و الشعري، فأعيد استبدال مصطلح السرقات بمصطلح التناص أو النص الغائب، وحلت الشعرية محل عمود الشعر، وأضحت مقدمات الدواوين وعناوين القصائد وتواريخها ضرورة إبداعية ، لأنها تشكل ما سماه " جرار جنيت" بــ ( النص الموازي).
ولكن لماذا يتجه النقد الحداثي العربي إلى اعتبار التناص إبداعا؟ لماذا لا نقلب الورقة ونقرأها من الجانب الأخر لنرى انه قد يكون تعبيرا لا إراديا عن أزمة إبداع، وعن خضوع مقلق لسلطة النموذج أو المثال؟ .
إن مقارنة بسيطة بين نظرية السرقات الشعرية ومفهوم التناص تؤكد أن النقد العربي القديم، كان ثائرا على سلطة النموذج، انه يريد التخلص من تلك الأزمة الإبداعية التي عبر عنها الشعراء أنفسهم :
كقول عنترة :
هل غادر الشعراء من متردم؟ أم هل عرفت الدار بعد توهم؟
وزهير بن أبي سلمى، أو ابنه كعب، في نفس هذا التوّجه :
مـا أرانـا نقـــول إلا مُعــــاراً أو مُعادًا من لفظنا مَكــــرورا
إن الشعرية العربية الحديثة، لا تفعل أكثر من إعادة إنتاج أصلها القديم، ولكن بنوع من التخلي عن الريادة، ونسبتها لقرائح أوروبية.
لقد حاول أكثر من ناقد (حداثي)، أن يعيد قراءة التراث العربي من زاوية محايدة، إلا أننا لم نلف في ما توصل إليه من نتائج، أكثر من ما أسفرت عنه نظرية النظم عند الجرجاني، أو عمود الشعر عند المرزوقي.
فهناك إذن عقبة ذاتية تمنع التجاوز والتخطي، وهي كامنة في عدم إدراكنا أن أغلب ما قدمته الشعرية الراهنة، هو ذلك الكم الهائل من المصطلحات المستوردة، والتي لا نزال عاجزين عن الاتفاق على ترجمتها .
فحين أقر رولان بارت مصطلح النسيج، بحيث يصنع النص نفسه باستمرار، كما تبني العنكبوت نسجها في شبكة متلاحمة منضدة.
فهو لم يزد على نظرية النسج والبناء، التي تحدث عنها ابن خلدون و ابن طباطبا ، الذي يرى أن على الشاعر أن "يكون كالنساج الحاذق الذي يفوف وشيه بأحسن التفويف، ويسديه، وينيره، ولا يهلل شيئا منه فيشينه، وكالنقاش الرفيق الذي يضع الأصباغ في أحسن تقاسيم نقشه، ويشبع كل صبغ منها، حتى يتضاعف حسنه في العيان" (13)
وحين فرضت البنيوية الحديثة نظرية بناء الشعر، لم تكن تقدم أي ريادة تذكر، فقبلها بقرون عديدة شبه الثعالبي عملية تأليف كتابه (يتيمة الدهر) بعملية بناء دار، فيقول : ".. وصار مثلي فيها، كمثل من يتأنق في بناء داره، التي هي عشه، فلا يزال ينقض أركانها، ويعيد بنيانها، ويستجدها على أنحاء عدة وهيئات مختلفة" (14) .
واعتبر ابن رشيق البيت الشعري في علاقته باللفظ والمعنى أشبه ببيت السكن والمأوى، يقول: " والبيت من الشعر كالبيت من الأبنية : قراره الطبع، وسمكه الرواية، ودعائمه العلم، وبابه الدربة، وساكنه المعنى. ولا خير في بيت غير مسكون، وصارت الأعاريض والقوافي كالموازين والأمثلة للأبنية، أو كالأواخيّ والأوتاد للأخبية، فأما ما سوى ذلك من محاسن الشعر، فإنما هي زينة مستأنفة، ولو لم تكن لاستغنيَ عنها" (15)
ثم ، أليس مصطلح " الشعرية" عبارة عن تلك الخصائص التي تجعل من أي ملفوظ كان شعرا؟ ... ومن هنا ألم يحدد العرب خصائص الشعر، انطلاقا من مصطلح "عمود الشعر" ؟ ما الفرق إذن من الناحية المفاهيمية بين عمود الشعر والشعرية ؟
أعتقد أن الأمر في حداثتنا، خاضع لمدى إغراء وغواية بيئة أحد المصطلحين، ليس إلا .
رغم كل هذا تميل الشعرية العربية، إلى أن تكون نتاج رحم غربية، مشكلة بذلك قطيعة ابستمولوجية مع الزمن الإبداعي العربي الجميل، زمن ما قبل سقوط غرناطة.
إن راهن الشعرية العربية، خاضع في تشكله لكل الميكانيزمات النصية، التي ذكرنا آنفا، إنه ينشد عالمية التواصل مع الآخر عن طريق الحوار معه بلغة مشتركة، بأدب مفتوح على كل الثقافات، وما تزخر به من إبداع أو نقد، وهذه الحمى التواصلية طالت حتى شكل النص العربي فلم يعد مهما اليوم أن نكتب القصيدة العمودية بصيغة التناظر ونظام الشطرين، ولم يعد الشعر الحر محكوما بنظام السطر أو التفعلية، بل أضحت طريقة توزيع الكلمات على الورقة تشكل نصا آخر، على المتلقي أن يدركه ويتعامل معه ، لم تعد كتابة النص عبثية، وهو ما يعني أنها ثورة على زمن الإنشاد والإلقاء وتأييد لعصر القراءة والكتابة.. وهذا ما أطلق عليه النقد العربي الحديث مصطلح ( التشكيل البصري )، يقول مؤلفا ( نظرية الأدب ) إن " كوننا قادرين على تصحيح أخطاء الطبع في نص قد لا نكون قرأناه من قبل، أو استعادة المعنى الصحيح للنص في حالات نادرة، لتظهر أننا لا نعتبر السطور المطبوعة قصيدة صحيحة، وبذلك فإن الحذف في القصيدة ( أو أي عمل أدبي رفيع) يمكن أن توجد خارج شكلها المطبوع، وأن الحذف في المادة المطبوعة، يحتوي على عناصر متعددة يجب أن لا نعتبرها متضمنة في القصيدة الأصلية.." (16).
ولقد حدد الدكتور " محمد بنيس " دلالة الكتابة دخل الصفحة، من خلال اكتشاف بنية المكان في النص الشعري المغربي المعاصر، وذلك انطلاقا من قانونين إثنين:
لعبة الأبيض والأسود
ومستويات اللون داخل النص.
حيث يقصد بالأبيض والأسود النظر إلى الصفحة الشعرية المعاصرة، من حيث هي كلمات بالأسود مكتوبة على صفحة بيضاء، وأن طول وقصر الأبيات ليس مجرد تغيير في شكل القصيدة التقليدي، فالشاعر المعاصر " يواجه الخطوط ( اللون الأسود ) بنفس القلق الذي يواجه به الفراغ ( اللون الأبيض ) وهذا الصراع الخارجي لا يمكن أن يكون إلا انعكاسا مباشرا أو غير مباشر للصراع الداخلي الذي يعانيه"(17).
واعتمادا على هذه الطفرة يقر " شربل داغر" بأن " القصيدة العربية الحديثة قصيدة معاصرة".
وهو ينطلق في حكمه هذا من مسلمة أن عصر الشفاهية وإلقاء النص الشعري على الجماعة قد ولى، فلم تعد الأذن تعشق قبل العين أحيانا، وإنما العين هي الوسيلة الوحيدة للتواصل مع القصيدة العربية الحديثة وهذا ـ حسب " داغر" هو سر معاصرتها، ولذلك نجده يقول في مقارنته بين القصيدة التقليدية والقصيدة الجديدة : " القصيدة باتت جسما طباعيا وله هيئة بصرية مظهرية على الأقل، هذه الهيئة ليست مع القصيدة العمودية سوى ترجمة مادية لصورة عقلية أو لنظام تصوري مسبق، هذا ما تتخلص منه القصيدة الجديدة تدريجيا بانقطاعها النسبي أو الكامل عن البحور الشعرية، عاملة على توليد أشكال جديدة من المساحات النصية" (18) .
وهكذا تم الانقلاب على الوزن والبحر والقافية، فقد أراد الحداثيون من مصطلح الإيقاع، الالتفاف على كل هذه العناصر مجتمعة، لأن الوزن كضرورة في الشعر، ليس إلا جزء من الإيقاع.
وإذا كان الشاعر العربي القديم، اعتمد على الرؤية والمشاهدة، في تشكيل قاموسه المعرفي والرمزي، وهي الأشياء التي جعلت المتلقي مدركا للرموز والإشارات الواردة في شعر الشعراء.
فإن الشاعر العربي الحديث، امتح شعريته من عدة مصادر، من بينها المشاهدة والقراءة والاستماع، وهنا تتفاوت قدرات المتلقين في استقبال النص واستيعابه، بل إن هناك من يذهب إلى اعتبار الشعر الحديث مجرد عرض لعضلات أصحابه من حيث كم قراءاتهم ومدى توظيفهم لثقافات مغايرة في الشعر، وهو ما لا يتسنى في الغالب للمتلقين، وهنا تحدث القطيعة بين الشاعر والمتلقي، لأن وسائط معرفتهما ليست واحدة أو متجانسة .
و تتأكد وجاهة هذا الطرح، في محاولتنا تفسير الموجة الشعرية الجديدة، والتي تميل إلى الاتكاء على المعجم الصوفي العالمي، بغض النظر عن جنسيته أو لغته .
إن هناك توجها عارما لدى الشعراء العرب، نحو استثمار اللغة الصوفية في نصوصهم، وهو ما يعني أنهم أرادوا عدم تكرار سلفهم في الستينات، حيث الاهتمام بأقطاب الصوفية كرموز، بغض النظر عن التصوف كخطاب ولغة .
ذلك أن الدين شكل عامل قلق، بالنسبة للشعراء العرب في العصر الحديث، والذين وجدوا في نموذجهم الغربي، بعض التناقض مع ما تمليه تعاليم دياناتهم، ذلك أن المتلقي العربي، ظل وما زال عاجزا عن التفريق بين اللغة وما وراءها، ولهذا وجد هؤلاء الشعراء في التصوف، وفي الرمز الصوفي عامل توفيق، بين التأثر بالثقافة الغربية، وبين منحى ديني يقدس الخيال، ويفرق بينه وبين الواقع، بل إنه يعطي نصيب الأسد من الاهتمام، لقاموسه اللغوي الذاتي، والقائم على شعرية في النطق والمرمى .
وهكذا وجدوا " في التصوف مرتكزا تراثياً، يتساوق والتأثر بالمذاهب الغربية، التي تجعل للخيال النصيب الأوفر في الشعر... خصوصاً وأن الواقع العربي، مهيأ للتأثر بمثل هذه الاتجاهات، نتيجة ظروف القلق والقهر والتخلف" (19)
إلى ذلك يكون من الخطأ اليوم، الاعتقاد بأن مجموعة الوظائف والخصائص، التي كانت تناط بالشعر والشاعر لا تزال قائمة.. لقد قفزت الشعرية العربية الحديثة قفزة هائلة، يمتزج فيها الوعي باللاوعي ، فيها نوع من محاولة تكييف المنهج مع الخصوصية الثقافية، وفيها لي لعنق الإبداع حتى يساير الحداثة القادمة من الخلف، فمفتاح المستقبل الأدبي عند حداثيينا يصنع في الغرب، وفي فلسفاته التنويرية..و الأدب كما الثقافة ككل أصبح مفتوحا أمام كل الاحتمالات..فليس هناك مقدس أو ثابت. ولا مجال لغلق باب الاجتهاد في الإبداع..
وهكذا عبرت بيانات الحداثيين والشعريين العرب، أول أمرها عن توق غريب إلى محو التراث والقفز عليه، بل والتنكر له أحيانا ، فهي عند محمد بنيس فعل تدميري لكل ثابت أو مقدس، وذلك على النحو التالي :
- تخريب الذاكرة كآلة متسلطة.
- تدمير القوانين العامة.
- تدمير سلطة اللغة.
- تدمير التراتب.
- تدمير النحوية داخل النص.
- تدمير السيادة.
- تدمير سيادة المعنى وأسبقيته داخل النص.
- تدمير استبداد الحاضر.
ثم يقترح نصا حداثيا قائما على الخصائص التالية :
- التوق إلى اللانهائي واللامحدود، يعشق فوضاه وينجذب لشهرتها.
- الإبداع حين يخضع للوعي، للتقعيد، يعلن موته.
- نقل اللغة إلى مجال الغواية والمتعة.
- الوصول إلى حال الحضرة الشعرية بالنص وفي النص.
- زمان الشعر متشكل من منظومة الدواخل، انه النفس، انه إيقاع الوعي واللاوعي في تجلياته التي لا ضابط لها.
- ومن ثم، فإن الكتابة نزوع مغاير لعالم مغاير في النص وبالنص (20)
لكننا سنصطدم بعد تلك الفورة الخطيرة، بأن الشعرية العربية، لم تستطع الانفكاك من اسر التراث، ابتداء من اللغة وعملها، وانتهاء ببنية التراث نفسه كمكون فاعل في العملية الشعرية المعاصرة .
ومن الطبيعي أن دعاة أممية الإبداع، مجرد امتداد لتلك الدعوات التي كانت تتردد في أودية النقد منذ العصر العباسي وحتى اليوم..
وبالنظر إلى بدايات التحول الشعري العربي، ومحاولات التمرد على سلطة النموذج، نجد أن الشعراء القدامى واجهوا صداما كبيرا مع المتلقين العاديين، أكثر من ذلك الذي خاضوه مع التفاعليين، فلم يكن رد أبي تمام على نقاده (لماذا لا تفهمون ما يقال) إلا تعبيرا عن أزمة في استيعاب المعنى الشعري الجديد، والذي يميل إلى تقديس القدرة الذاتية على التوليد اللغوي، بدلا من ركوب القاموس الذي كان سائدا ومسيطرا.
والأمر نفسه بالنسبة للشعر العربي الحديث، الذي لا يرى في أساطير الشعوب الأخرى أي تناقض مع الذائقة الشعرية العربية، ولا يرى في متصوفة الغرب ولا سحرة الهند أو إفريقيا أي نشاز في تشكيل المعنى داخل النص، ولكنه لم ينتبه إلى أن القارئ العربي بحاجة إلى تفسير ثقافات الآخرين، التي احتلت شعره كرموز وايحاءات .
هكذا إذن يمكننا القول بأن راهن الشعرية العربية، يمر بطفرة نوعية هامة.. حيث تم تحطيم متاريس الإبداع وتدميرها، وتعددت على إثر ذلك أنماط التعبير، بل وتنافست على الفوز بلحظة تكسير أفق انتظار المتلقي إلى درجة جعلت البعض يقول: " إن الرواية أصبحت هي ديوان العرب " ، وكذلك تعددت أشكال النمط نفسه، بحيث يمكن الآن على الأقل رصد أربعة أنواع من القول الشعري بدء من القصيدة العمودية وانتهاء بالقصيدة النثرية، ومرورا بالمسرحية الشعرية والرواية الشعرية والملحمة الشعرية وغير ذلك .
وضمن كل نوع من هذه الأنواع، توجد عشرات الأنماط الكتابية، المنسوبة للشعر، مثل شعر اللافتة والجدارية والومضة، أو ما تمكن تسميته بالابيجراما.
وتزامنا مع هذا التعدد النوعي، وبحثا عن حداثة شعرية مفتوحة، كان من الضروري إعادة التفكير في الكثير من المسلمات النقدية، التي تم إرساؤها أصلا لغايات أديولوجية، أكثر منها فنية مثل مفهوم السرقات، الذي حولته الشعرية الحديثة إلى تقنية فنية قل من يستطيع إتقانها، ووسم بأسماء كثيرة أهمها التناص أو النص الغائب، وكذلك أحيل العروض الخليلي إلى التقاعد، وجيء مكانه بنظريات " ميشونيك" عن الإيقاع.
والأهم من كل هذا أن المباشرة والتقريرية لم تعد عيبا شعريا، بل أضحى مبدعوها يشكلون مدرسة قائمة بذاتها ، يفضل الكثير من نقادنا تسميتها بالسوريالية أو العبثية، وتصنف إلى جانب مدرسة الالتزام وفي منزلة متراصة.
هذا باختصار ـ مخل ـ هو واقع شعريتنا العربية اليوم شئنا ذلك أم أبينا، وهو واقع لا يتنكر للتراث بقدر ما يحاوره بخشونة ودون حياء، شعرية عربية اللغة وبماكينة غربية، إنه البحث عن البقاء.. والمستقبل في نظر البعض.
أو هو نوع من التواصل مع الحياة، يفرض عليك مشاركة الآخر فضاء تفكيره، وجماليات خلقه، والحقيقة أن مستقبل هذا الأدب مرهون بمدى استطاعته فرض نفسه، ولن يتأتى له ذلك إلا بالتواصل مع سحنات مخالفة.

ختاما ....
أشير إلى أن نتائج تواصلنا مع الآخر، غير معبرة عن واقعنا القومي، عندما يصطدم عندنا بصخرة الفرقة والأنا المتضخم.
إن أزمة الثقافة العربية عموما، والأدب بصفة خاصة، تكمن في إشكالية الترجمة، أليس من المؤسف أن لا تتفق أمة على ترجمة مصطلح واحد هو المدرسة الرومانسية؟.
لقد أحصى الدكتور " عبد النبي اصطيف لهذا المصطلح ما يناهز عشرة أسماء هي : ( الابتداعية ـ الإبداعية ـ الرومانسية ـ الرومانية ـ الرومنتية ـ الرومنسية ـ الرومانطيقية ـ الرومانتيكية .. وغيرها ومثلها كذلك للدلالة على كلمة ( لانغويستيك ) (21).
ضف إلى ذلك ترجمات الكتب التي ترفض مجامع اللغة العربية الاتفاق على عنونتها، نظرا لحساسيات قطرية ضيقة ولنا مثال على ذلك يتمثل في ترجمة عنوان كتاب " سوسير " المشهور ( دروس في الألسنية العامة ) حيث نجد ترجمته العراقية مختلفة عن المصرية، وهذه مختلفة هي الأخرى عن التونسية .
أما كتاب " جرار جنيت " ( مدخل لجامع النص ) فقد ترجم في المغرب بهذا الاسم، وترجم في لبنان بعنوان ( مدخل للنص الجامع) .. وعلى إثر هذا التنافر والتضاد في الترجمة من وإلى اللغة العربية ، تضيع الجهود ويهترئ الإبداع، ويبقى التواصل أشبه بحوار الطرشان .
و بالإضافة إلى عائق الترجمة، يوجد عائق آخر أكبر وهو الصراع الضمني المستشري ثقافيا بين المشرق والمغرب أو ما أطلق عليه ( المركز والمحيط ) ، حيث خلق هذا التقسيم جوا مشحونا بالريبة والشك داخل الوسط العربي الواحد.
وانطلاقا من كل ما ذكرنا آنفا يكون الأدب العربي أمام تحد مستقبلي كبير، وهو كيف يمكننا أن نأخذ ونعطي في آن واحد؟ وكيف نقضي على فوضوية الشكل التعبيري التي كادت أن تجعل كل الإبداع العربي ينشد خاصية الشعر إلى درجة جعلت النثر شعرا، والشعر نثرا؟.
إنها مجموعة من الأسئلة التي يطرحها الإبداع العربي على نفسه، قبل أن يطرحها المتلقي على صاحب التجربة الإبداعية.
وفي الأخير بودي لو ختمت هذا الحديث بمقولة لــ " بورخيس " أراد من خلالها أن يحدد الفرق بين الشعر والنثر، يقول : " هناك اعتقاد بأن النثر أقرب إلى الواقع من الشعر، يبدو لي أن هذا الاعتقاد خاطئ، فثمة فكرة تنسب إلى القصاص " هوراسيو كيروجا " الذي يقول ( إذا هبت ريح باردة من جهة الساقية فيجب أن نكتب بكل بساطة : ريح باردة تهب من جهة الساقية ) إذا كان " كيروجا " قال ذلك فعلا فيبدو أنه نسي أن هذه التركيبة اللغوية بعيدة عن واقع هبوب الهواء البارد من جهة الساقية، فأي إدراك حسي لدينا هنا؟.
إننا نحس الهواء الذي يتحرك ، نسمي ذلك ريحا، نحس تلك الريح تأتي من جهة معينة، من جهة الساقية، ومن كل ذلك نقوم بتشكيل شيء معقد هو الشعر.." (22).


-------------------------------------------------------------------------------------------------
الهوامش :

(1) – رومان جاكبسون : ما الشعر؟ - مجلة العرب والفكر العالمي – العدد الأول 1988 – ص 4
(2) – عبد الواحد لؤلؤة : حول الأشكال الشعرية الجديدة – من كتاب (الشعر ومتغيرات المرحلة) مؤلف مشترك من أعمال المربد السادس 1985 ص 105
(3) – السكاكي : مفتاح العلوم – ص 533
(4) – ابن رشيق : العمدة – ج 1 – ص 125
(5) – كمال أبو ديب : في البنية الإيقاعية للشعر العربي – ص 56
(6) – رشيد يحياوي : قصيدة النثر ومغالطات التعريف – علامات –م8-ج32- مايو 1999 = ص 56
(7) – مارغريت مورفي :قصيدة النثر (سماتها الداخلية والخارجية) – تر : خالدة سعيد 2004 على موقع (TURJIMANA)
(8) – عبد العزيز حمودة : الخروج من التيه (دراسة في سلطة النص) طبعة عالم المعرفة – الكويت 2003
(9) – إدريس بلمليح : القراءة التفاعلية (دراسات لنصوص شعرية حديثة) ط1 دار توبقال للنشر – ص 116
(10) – نفسه – ص63
(11) - رومان ياكبسون : ما الشعر؟ - م.س
(12) – نفسه
(13) – عيار الشعر – ص 43
(14) - انظر : د/ محمد بلاجيبي – توظيف العناوين .. ندوة الأدب القديم أية قراءة؟ - ص 137
(15) – العمدة ج/1 ص121
(16) - رنيه ويلك- اوستين وارين : نظرية الأدب – تر : محيي الدين صبحي ط2 المؤسسة العربية للدراسات والنشر 1987 – ص 95
(17) – محمد بنيس : ظاهرة الشعر المعاصر في المغرب- ط1 دار العودة /بيروت 1979 – ص 101
(18) - شربل داغر : الشعرية العربية الحديثة- ط1 دار توبقال 1988 ص 33
(19) - عدنان حسين العوادي، الشعر الصوفي، ص267
(20) - محمد بنيس / بيان الكتابة مجلة الثقافة الجديدة - السنة الخامسة - العدد 19.
(21) – عبد النبي اصطيف : نظرة إلى مصطلح النقد العربي الحديث – مجلة الوحدة -ع 97 أكتوبر 1992
(22) – خورخي لويس بورخيس : الشعر – مجلة العرب والفكر العالمي – م.س



ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ


ثلاث لقطات من حياة "ليلى" / محمد الأمين ولد الفاضل



اللقطة الأولى:
الزمان : 21 ابريل 2006
المكان: نواذيبو...
الراوي: منتدى "استوب"..
ولنأخذ فقرة مما تحدث به هذا الراوي: "عُثر في مدينة نواذيبو السياحية شمال موريتانيا على المدعوة (.....)، الملقبة "خدي كوريا"، وهي مقتولة، وملقية في إحدى الساحات المهجورة في المدينة بعد أن مُثل بجثتها، وقالت مصادر مطلعة في الشرطة إن القتيلة تعرضت لطعنتين قاتلتين في الصدر أصابت إحداهما القلب، كما تم فقء إحدى عينيها، ويوجد على وجهها آثار الضرب بآلة حادة."
"خدي كوريا" التي قتلت وهي في الثلاثين من عمرها، كانت صاحبة سوابق معروفة لدى الشرطة، خاصة في مجال تجارة المخدرات وفي ممارسة الفاحشة، وقد لقبت بخدي كوريا لصلاتها المشبوهة بالكوريين المقيمين في مدينة نواذيبو.
لاشك أن حياة الأم كانت صادمة، ولا شك أيضا أن موتها كانت أكثر من صادمة، فهي ماتت نتيجة لجريمة بشعة لا شك أنها صدمت كل من سمع عنها في ذلك الوقت، فكيف إذا تعلق الأمر بابنة الضحية؟ وكيف إذا كانت الابنة لا تزال مجرد طفلة مراهقة؟
حاولوا أن تتخيلوا كم كانت صدمة هذه الطفلة الصغيرة التي استيقظت في يوم 21 ابريل من العام 2006 على والدتها وهي مقتولة بتلك الطريقة البشعة.
اللقطة الثانية:
الزمان : 11 يوليو 2012
المكان: القهوة التونسية
الراوي: الشاعر والمخرج السينمائي "محمد إدومو"
لقد كتب هذا الشاعر، على صفحته في الفيسبوك خاطرة جاء فيها ما يلي: "(... ) تجلس أمامي ماري (مريم سابقا)، (... ) تحكي ملامحها الطفولية قصتها المكتوبة على وجهها الصغير، تقاسيمها الدقيقة ورغبتها الملحة في الصمت تفضح واقعا أليما؛ تجلس أمامي في القهوة التونسية دون أن تعرف أين ستنام.. ما أشد ظلم مجتمعنا الذي لا يتورع عن تحميل طفلة صغيرة مسؤولية ذنب لم ترتكبه!!!!!!!"
تخيلوا الآن هذه الطفلة الصغيرة وهي تتسكع في ليلة الحادي عشر من يوليو من العام 2012 أمام مقهى، لا تعرف أين ستبيت ليلتها تلك.
اللقطة الثالثة:
الزمان: 28 سبتمبر 2013
المكان : فضاء الانترنت الواسع، وتحديدا موقع "اليوتيب"
في هذا الموقع ظهر فيديو مدته: 2 دقيقة و51 ثانية، وهذا الفيديو كان عبارة عن أغنية بالانجليزية تحمل عنوان: "بدأ من نواكشوط"، وهذه الأغنية هي من أداء شاب موريتاني يدعى "حمزة براون"، وربما تكون في حياته بعض اللقطات الصادمة، كتلك التي كانت في حياة الفتاة "ليلى".
في هذا الفيديو ظهرت "ليلى" بلا ملحفة، ظهرت وهي شبه عارية، حسب أولئك الذين شاهدوا الفيديو، وكانت تلك هي اللقطة الأكثر إثارة للجدل في حياة "ليلى".
والآن دعونا نرتب اللقطات الثلاث.
فما الذي كان يمكن أن يحدث في حياة "ليلى" بعد اللقطة الأولى؟ وما الذي كان ينتظر من طفلة تخلى عنها والدها، وعاشت أمها بتلك الطريقة الصادمة، وماتت بتلك الطريقة الصادمة.
ألم يكن متوقعا أن تشاهد "ليلى" وهي تتسكع في ليلة 11 يوليو من العام 2012 أمام القهوة التونسية، أو أمام أي قهوة أخرى؟
أو ليس ظهور "ليلى" بهذه الطريقة الصادمة في الفيديو المذكور كان أمرا منتظرا ممن مر في حياته باللقطة الأولى و باللقطة الثانية؟
الصادم في الأمر أن المجتمع كان يغط في نوم عميق عند حدوث اللقطة الأولى، وكذلك عند حدوث اللقطة الثانية، ولكن هذا المجتمع سيستيقظ فجأة عند حدوث اللقطة الثالثة، وسيتظاهر وكأنه لم يغمض له جفن أبدا.
وحتى الآن يمكن القول بأن نسبة هامة من الموريتانيين التي تستخدم الانترنت قد أيقظتها اللقطة الثالثة من حياة "ليلى"، فالفيديو شوهد 7000 مرة في يوم واحد.
وقريبا قد يمتد الجدل الذي أثاره هذا الفيديو خارج شبكات التواصل الاجتماعي، خاصة بعد أن قررت منظمة آدم لحماية الطفل والمجتمع (مشروع لا للإباحية) أن تنظم وقفة أمام الجامع السعودي بعد صلاة الجمعة القادمة للتنديد بهذا الفيديو، هذا فضلا عن تقديم شكوى عاجلة لوكيل الجمهورية ضد "حمزة وليلى"، وكذلك ضد الشركة المنتجة، وقالت المنظمة بأنها ستتابع الملف قضائيا عن طريق فريق المحامين التابع لها.
إن هذا الجدل الدائر على شبكات التواصل الاجتماعي حول هذا الفيديو، والذي قد يمتد إلى خارجها، ليستدعي تقديم أربع ملاحظات سريعة:
أولها: إن ظهور "ليلى" بطريقة صادمة للمجتمع كان أمرا متوقعا لطفلة تخلى عنها والدها مبكرا، وعاشت أمها وماتت بتلك الطريقة التي تحدثنا عنها سابقا، ولفظها المجتمع في وقت مبكر. لم يكن متوقعا من "ليلى" أن تطل على المجتمع الموريتاني وهي ترتدي الحجاب في حلقة من حلقات مسلسل ديني.
ثانيها: هذا الفيديو لم تنتجه جهة واحدة، بل أن هناك جهات كثيرة ساهمت في إنتاجه، ولكننا ـ وللأسف الشديد ـ لا نستطيع أن نقدم شكوى ضد أي منها.
ومن بين منتجي هذا الفيديو الأسرة التي أنجبت ليلى (الوالد الذي تخلى عنها في وقت مبكر، والوالدة التي رحلت عن دنيانا منذ سبع سنوات). كما شاركت في إنتاجه السلطة الحاكمة حينها، والتي تركت طفلة صغيرة تصارع الحياة لوحدها، خاصة أنها طفلة هي أحوج ما تكون للرعاية، وذلك لأنها ابنة لأب ولأم لا يمكن أن يؤتمنا على تربيتها. فأين كانت إدارة الشؤون الاجتماعية؟ وأين كانت دور الأيتام؟ وأين كانت منظمات المجتمع المدني؟ وأين كان العلماء والخطباء؟ وبالمختصر الصادم: فأين كان المجتمع الموريتاني المسلم 100%؟ وأين كانت ملايينه الثلاثة؟ ولماذا لم يحاول أي واحد من تلك الملايين الثلاثة أن يفعل شيئا، أي شيء، حتى لا تقدم "ليلى" على ما أقدمت عليه؟
ثالثها : طرح هذا الفيديو إشكالية قديمة جديدة، فأيهما أفضل: أن نتجاهل مثل هذه المنكرات بعد وقوعها؟ أم أن نطلق حملة لمواجهتها، مع العلم بأن تلك الحملة قد تتحول إلى حملة دعائية واسعة لما أردنا إنكاره؟
رابعها: هناك أكثر من"ليلى" تصنع الآن، وفي أكثر من شارع، تصنعها الأسر، ويصنعها المجتمع، وتصنعها الحكومات ووزاراتها الفاشلة، وبالتأكيد فإن عددا منهن لن يتأخر في الظهور قريبا بطريقة صادمة لهذا المجتمع الغافل، والذي لا يستفيق أبدا إلا بفعل صدمات قوية من نوع الصدمة التي كانت بطلتها "ليلى مولاي".
وتبقى كلمة..
لم أكن أرغب إطلاقا في أن أتحدث عن موضوع كهذا، وذلك لحساسيته ولتعقيداته ولأنه قد يتعلق بقضايا قد تبدو في ظاهرها قضايا شخصية، ولكن لم يكن من الممكن تجاهل هذا الموضوع بعد أن أصبح قضية عامة، أثارت وستثير في الأيام القادمة جدلا واسعا.
لم يكن من الممكن لمن أخطأ ذات يوم، وقرر أن يتحدث في قضايا تهم المجتمع، أن يتجاهل قضية كهذه .
 
حفظ الله موريتانيا..

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

النسيب ليس هو البكاء على الأطلال

بقلم الباحث: محمد محفوظ/ المختار
        
الثلثاء06 نوفمبر 2013


هناك مسألة أود الإشارة إليها، و أجدني في أمس الحاجة إلى التعبير عنها، لأني ضقت ذرعا حقيقة، بالذين يتحدثون عنها على المنابر و لا يقولون فيها شيئا مقنعا للذين لا يرضون بالقليل من التوضيح، بل يكتفون بما قال فلان و رواه فلان عن فلان، و لا يتحرون في ذلك أن المصدر قد يعتوره الوهن أحيانا و يشوبه الخطأ والغلط و الوهم.
 

قُدر لي أن أتابع على مدى حلقات متكررة برامج إذاعية وأخرى تلفزيونية وطنية نقادا و شعراء من داخل الحقل الأدبي، يتكلمون عن الأدب الموريتاني الشعبي يلقون النصوص، و يقترحون وجهات النظر فيه، و مما استوقفني في ذلك حديثهم عن ظاهرتي النسيب و البكاء على الأطلال في هذا الأدب الشعبي كما لاحظت، و أكدوا مما لا يدع مجالا للشك لدى المتلقي البسيط مثلي أنهما وجهان لورقة واحدة.
 

من الأول فكرت ثم قلت: و يحك يا أنا هؤلاء شعراء و نقاد كبار مَرسوا هذا الفن بشقيه ودققوه ونقحوه وما تركوا قصيدة و لا (طلعة) و لا(كافا) إلا حفظوها وناقشوها و ليسوا من مقامك المتواضع!! ثم كانت لهم التجربة بعد التجربة في المجال ذاته فهم أعرف به منك، و من أنت؟
بيد أني أملك شيطانا رجيما لا يقبل الأشياء على علاتها، فغمزني و رحت أبحث في صواب ما قالوه فقادني بحثي إلى شيء يخالف ما سمعته تماما، وكان ما توصلت إليه ـ في البداية ـ أنه قد يكون من المجحف قياس الأدب الحساني بالشعر الفصيح، قياس درج كثير من الدارسين على إجرائه عند أول صعقة ذهن من حادثة في أدبنا الشعبي الرفيع. فكل منهما مبدع في مجاله وعبقري في ذاته، ثم توصلت إلى أن الذي ندعوه البكاء على الأطلال ليس مرادفا للنسيب، و قد حاولت جمع أدلة على هذا الكلام منها:
أولا: أن الترادف في اللغة غير موجود بل هو تورم لغوي وعبث، فمهما تقاربت الحدود بين كلمتين فلا بد من فرق مهما كان دقيقا يُتوهم للوهلة الأولى غيابه.
ثانيا: أنه نتيجة لغياب درس أكاديمي متخصص في هذا المجال، فإنه لا سبيل لدى الباحث سوى الاستنجاد بالنصوص، و النصوص أكدت خلاف ما سمعته من جم من المهتمين بهذا الحقل من الأدب، فإن انطلقنا من النصوص سنجد أن النسيب في الأدب الحساني يقارب النسيب في الشعر العربي لكن البكاء على الأطلال يختلف قليلا عنه في أدبنا الشعبي و الاثنان بينهما لا يتطابقان إطلاقا، و سنوضح العلة في ذلك، اللهم إلا إن أجزنا لأنفسنا استطراد ظاهرة شعر رثاء المدن، التي تتضمن الحكمة الوعظية كما في قول أبي البقاء الردني:

لكل شيء إذا ما تم نقصان == فلا يغر بطيب العيش إنسانُ

إن النسيب الذي يُعَرِّفه بعض الدارسين بأنه "نوع من الغزل لا يذكر فيه اسم الحبيبة" مرتبط في أدبنا كما الأدب العربي بالسرور و بالوصل، و صحيح أنه و البكاء على الأطلال يشتركان المكان و الزمان، لكن المكان مختلف فيها فبينما تكون القيمة المعنوية للنسيب قيمة باقية مجددة، تكون قيمة الطلل تاريخية فقط، و من أمثلة النسيب في أدبنا الشعبي قول العلامة القاضي محمذن ولد أحمد فال (اميي):

من عـنــد النايه يالــقــهار == يــكـــدر يـــكــراب ال يــندار
الكسم اظحيوه للخــطــار == و الغرس امن الكسم اكـريب
والكسم اكريب من عمــار == ؤ عـــمــــار افــــزرو لــعزيب

وعندما ننظر في هذا النص يبدو لنا واضحا وجه النسيب في الشعر الحساني، فليس هذا السرد المواضعي إلا دلالة على مكان المرأة الموعودة التي تقطن الموضع الأخير(لعزيب)، كما أن عبارة (يكدر يكراب ال يندار) قد لعبت دورا مهما في جعل النص من شعر النسيب بقوة.
أما البكاء على الأطلال فهو في أدبنا الشعبي مختلف عنه في الشعر العربي لأن كلمة البكاء أولا، تحيل على الحزن من ناحية الشحنة الدلالية، كما أننا في بلد له خصوصية الثقافية، بلد يعلي شأن التوحيد و الاعتبار بالزمن، لهذا كانت نصوص البكاء على الأطلال عندنا غالبا نصوصا وعظية لا تدل أبدا على سمة غزلية كالذي نعرفه عند شعراء الأدب العربي ما عدا ما ألمحت إليه في رثاء المدن، يقول العلامة الأديب امحمد ولد احمديوره:

لمـــتيـن مـــن عـلبـو لــزرك == حــد اعــل فــم كظ أو كــظ
اعــل تنتكـظـــظ مــا يـلحــك == حد أفطــن عـن ذاك إوعــظ

لـــمتين مـا نسميـه اتليــت == ألا نـــســم تنتـكظظ ظنيـت
كافيـــن فـت أل شـــــاريـت == ألــهم بـن لي فيهـــم حــظ
ذو ليــام أذاك امــــن انعيــت == الـعــز ال كـــامـــل متمكرظ

لمتيـــن حــاس فـــالتعـدال == يشــابــــهـل عنـــد محـــال
تنكظـــظ زاد ابــذيك الحــال == مـــــا نــل مـــاه بعـد أكــــظ
ؤ هـــــاذ بيــك ال مـا ينكال == عــت اتكـــــذب فيــه أتغمـظ
واتكــول انــــك تارك تحجـال == لـــمتـيـن ولــل تــنــتكـــظظ
أصل اتـــروح انـــت يالــدلال == للــجنـــة مـــروح بعـــد أبيظ

إن متأمل هذا النص لا يخفى عليه ما فيه من نبرة حزينة باكية مفعمة بالموعظة حيث أكد على ذلك في قوله: (ذاك إوعظ) في الشطر(التافلويت) 4 من (كاف الطلعتين). كما أن كلمة "التحجال" تحيل على البعد الماضوي لهذين الموضعين وقيمتها التاريخية و إليكم نصا آخر يوضح ما تبين لي بعد النظر يقول الأديب الكبير أحمد سالم ولد بوبوط:

نعرف بعد أني ما انســيت == ذ من لحباب الكط ريــت
هون أراعيني هون جـــيت == أسكي تصريف الناشـي
ما ريت أحبيب ؤ لا اتـلـيت == راجي مــــرياه ؤ لا شي

لحباب امشاو ؤ ذاك لعــد == ؤ هاذ شي عاد الا شي
ماشي يلالي ذاك بــــعد == ادليل اعــلني مــــاشي

و إن نحن تأملنا هذا النص نكون قد وقفنا على مثال لا يدع مجالا للقول بالترادف بين اثنين لا يقبلان الترادف، فالبكاء على الأطلال ليس هو النسيب، فالأخير فرح مستبشر أما الأول فهو وعظي خلاصته إننا سنرحل ملثما رحل الأولون،و أن هذه الدنيا تماما كما الإمام زين العابدين بن علي رحمه الله تعالي:

وللمنايا تربي كل مرضعة == وللحساب برى الأرواح باريها

فينتقل المكان من قيمته الغرامية إلى قيمته الوعظية؛ ليصبح شاهدا على الزوال والفناء والعدم المستمرين، كما في كاف الطلعة الأخيرة:

(لحباب امشاو ؤ ذاك لعــد == ؤ هاذ شي عاد الا شي
ماشي يلالي ذاك بــــعد == ادليل اعــلني مــــاشي.

وعموما فلست خير من يتكلم عن هذا الموضوع بل أعرف و لا أعرف من هم أقدر مني و أبرع في التوصيل والتحليل والعرض، إلا أنني فطنت إلى هذا اللبس فأردت البوح به خاطرة لا غير. و هذا اعتذاري لمن قد يتبادر إليه من منطوق كلامي أو مفهومه غير ما أردت فيه، تحياتي و كامل المحبة.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 تغيير النشيد الوطني.... لماذا؟


        إن الدعوة إلى تغيير النشيد الوطني، دعوة تحتاج إلى إعادة النظر والتأمل، لما تنطوي عليه من تغيير لنشيد ورمز سبق وأن ترسخ في قلوب الموريتانيين وأصبح جزءا لا يتجزأ من حياتهم.
ولما كان من يطرح هذا الطرح هو تيار فكري يدعي امتلاك المعرفة والفكر فإننا نود أن نحاوره من خلال السطور التالية:
لقد طرح هؤلاء مسألة عدم انسجام كلمات النشيد الوطني مع روح الوحدة الوطنية، والتغني بأمجاد البلاد.
لكن نقول لهم إن هذا النشيد على العكس مما ظنوا به، فهو لعمري تجسيد لهوية البلاد الحضارية والعلمية، وفي المقدمة: هويتها باعتبارها دولة إسلامية سنية، مالكية المذهب أشعرية المعتقد، توحد جميع أطيافها تحت ظلال هذا الثالوث الذي نتشرف به ونعتز بالإنتماء له.


فليست الوطنية مجرد كلمات رنانة تلهج بها ألسنتنا، ويرددها أبناؤنا في الصف الدراسي، بقدر ماهي مجموعة من القيم الدينية والأخلاقية التي نتمسك بها، ونجعلها مرجعنا جميعا.
كن للاله ناصرا, وأنكر المناكرا.
وكن مع الحق الذي, يرضاك منك دائرا.
ولا تعد نافعا, سواه أو ضائرا.
واسلك سبيل المصطفى, ومت عليه سائرا


وليس من السائغ أن نقول بأن النشيد الوطني مجرد مواعظ أخروية لا صلة لها بفضائه الذي يقال فيه، فهذا من رجيع الفكر وفاسد القول، إذ إن النظرية الإسلامية في مجال الولاء للوطن والتضحية من أجله نظرية متكاملة، لا يمكن فصلها عن جذورها وينابيعها الأصلية.
وفي المقابل يحذر هذا النشيد من الإنضواء تحت الطوائف الضالة التي تريد الإنتقاص من شأن المسلمين المخلصين لدين الله:
وكن لقوم احدثوا في أمره مهاجرا
قد موهوا بشبه واعتذروا معاذرا
وزعموا مزاعما وسودوا دفاترا
واحتنكوا أهل الفلا واحتنكوا الحواضرا
وأورثت أكابر بدعتها أصاغرا
وإن دعا مجادل في أمرهم إلى مرا
فلا تمار فيهم إلا مراء ظاهرا
هكذا إذن هي دعوة إلى الإجتماع إلى ما يوحدنا وهو هذا الدين الإسلامي الذي يمثل الهوية والمرجع لنا جميعا، واللغة العربية باعتبارها الوعاء الحاضن لهذا الدين...

 
محمد يسلم ولد محمد فال

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 شهداء حزيران!

تاريخ الإضافة: 21 ـ 09 ـ 2013

هم خيار المجتمع وعدوله، ينظر إليهم بعين الإجلال ، ويشار إليهم بأصابع التكريم،وكذلك جعلهم القانون الدراسي، وسطا بين شهادتي ختم الدروس الابتدائية والإعدادية ، وشهادة الليصانص، ليكونوا  شهداء على تلك المراحل، ولو كان الوزير عليهم شهيدا.

#شهادة من نوع آخر..
ولاتحسبن  الذين سقطوا في ساحة النزال من أجل " الباكلوريا " أمواتا، بل أحياء يرزقون بشرف الاستبسال في ساحات الوغى،وإن بجسد خرقته أقلام المصححين الحمراء، وعقل به ثقوب خلفها لوم اللائمين من الأهل والخلان .. إنها معركة فاصلة ، زمانها الثابت شهر حزيران يونيو، ومكانها الأرض التي باركتها الوزارة المكلفة بالتهذيب ، لترتوي من دماء شهداء  يحبون " الشهادة "، كما يحب الوزراء الوزارة أو أشد.
#حصيلة..
ماإن تنتهي معركة الباكلوريا السنوية، حتى يسفر نقعها عن خسائر جليلة، ومصائب عظيمة. وسنضرب الذكر صفحا، عن حصيلة السنوات الماضية من عمر المعركة، لنتوقف مع حصيلة الخسائر لهذه السنة " 2013" إذ تكفي دليلا وشاهدا على ماتكبده المترشحون الأشاوس من خسائر.
  3455 جريحا ارتقوا إلى الدورة التكميلية،احتمالات اندمال جروحهم ضئيلة،و 28809 في عداد الضحايا، فيما نجا بأعجوبة 3152 مترشحا..ليكتمل بذلك 35416،هي عدد من  اجتمع في صعيد المعركة  يوم السابع عشر يونيو الماضي.
 حصيلة تنبئ عن ضعف في الاستعداد والعتاد، لدى المشرفين على هذه المعركة، مما دفع الكثيرين للمطالبة بالكف عن الزج بأبنائهم في أتون حرب ضروس، تشهد مسيرتها بالكثير من الخسائر في الأنفس والأموال، بما كسبت أيدي الدولة.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الإنسان ذئب أخيه الإنسان

الخميس 12 ـ 09 ـ 2013
      قديما قال الفيلسوف الانجليزي "توماس هوبز" (الإنسان ذئب لأخيه الإنسان) بل هو الذئب بعينه، هي حقيقة أقولها و أكررها كما قيلت من قبل و قد أدركت حقيقتها اليوم, فهو يسعى دائما إلى إقلاق راحته وتحطيم سعادته و جعله يعيش الشقاء و الضياع مستخدما في ذلك شتى أنواع المكر و الخداع تنبؤ بخبث داخلي مدفون و ببغضاء و شحناء متبادلة.
"
الإنسان ذئب لأخيه الإنسان " فلا يهنؤ له بال و لا يستقر على حال، فأي فعل أو رد فعل قام به فهو يعاقب عليه بغض النظر عن طبيعة هذا الفعل...

إنه المجتمع وظلم المجتمع و جور المجتمع، إنه نتيجة تناقض فكر وبنية المجتمع و بالتالي فهو باطل باطل باطل...أنا لا أظلم أحدا و لا أسخر من أحد و لكنها حقيقة أقولها بكل حرية و مسؤولية.

وهذه المقولة تذكرتها حينما عرضت لي قصة رجل يمارس أبشع أنواع الاعتداء على الإنسان في ممتلكاته، وكأنه لم يسمع قول النبي صلى الله عليه وسلم: "كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه"، وقوله عليه الصلاة والسلام: "من اقتطع شبرا من الأرض ظلما طوقه الله يوم القيامة من فوق سبع أرضين" أوكما قال صلى الله عليه وسلم.

هذا الرجل  يقطن في حي  بلمطار،  وقد استعاد ثقافة "الكزرة "، باستحواذه
على قطعة أرضية مملوكة لأسرة بلمطارية عريقة تمتلكها منذ مايقارب 18 سنة.
الرجل شرطي متعاقد يمارس عملية تزوير أوراق القطع الأرضية، يبحث عن قطعة خالية ويفتش عن أوراق الجيران الذين يسكنون بقربها، ويذهب برقمها ليحاول عملية التزوير، استنادا إلى المخطط المعماري للولاية، وقد شملت عمليات تزويره أغلب أحياء مدينة كيفة: بلمطار، الفردوس، سكطار، دكاكين المرآب العام، النزاهة، اتويميرت...

والهدف الأساس عنده من العملية كلها هو دفع المواطنين إلى إعطاء رشاوى، بدعوى أنه سيعيد إليهم قطعهم التي استلبها منهم غصبا، ظلما وعدوانا.

وتحاول حرمه( العمدة المساعدة سابقا) فرض وجود دعم معنوي له لتشريع عملية تزويره هذه.

يذكر أن حرمه تتظاهر بمظاهر أخرى(عمل الخير)، وغرضها من ذلك هو الحصول على دعم من هيئات خيرية، هذا المال الذي يسخر جله لتشييد الدكاكين في القطع المسلوبة من الأبرياء، بينما الأقلية منه هي التي تصرف في الغرض الذي أخذت له أصلا.

وإنني، إذ أستعرض هذه القصة ليس هدفي إلا نشر خبرهذا النوع من الجرائم، ليتقيه الناس ولأهيب بولاة الأمور أن يقوموا بدورهم في رفع الظلم عن العباد ورد الحقوق إلى أهلها.


محمد ولد اصنيب

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

لقد أخطا العلامة الددو فوجب البيان

السبت 22 ـ 06 ـ 2013


         وقعت بين العلامة  الشيخ سيد المختار الكنتي  والعلامة  المختار ولد بون الجكني  نقائض وسجالات عديدة كان منها قول ولد بون:
فكوني لم أحظي بحظك لم يكن     بما نعي التوفيق من ما نحي الخطا
أتسلبني ديني والله ما شاء مثبت      اذن انت في تقدير نفسك مفرطا 
تذكرت هذا عندما أردت الكتابة بيانا وتبيينا لما نري أنه خطأ وقع فيه العلامة
محمد الحسن ولد الدوو حفظه الله  في مداخلته يوم أمس في برنامج الشريعة والحياة
حيث كفر بشار  وحث علي الجهاد
  واذا كان مايحدث فى سوريا لايمكن تبريره شرعا من أحد الطريفين 
 وإذا كان ما قاله  العلامة  هو نفس الرأي الذي يقول به  علماء آخرون- فإن الكرسي الذي يجلس عليه ألا وهو كرسي عالم السنة والجماعة على حد تعبير العلامة حمدا ولد التاه  تمنع ضوابظه المنهجية عليه ذلك  هذا اذا لم تكن قد تشابهت الكراسي واشتبهت العمائم 
لقد ظلت قضية التكفير  اشكالا عقائديا ومعرفيا للأمة  ما بين متوسع   فيه بحيث  يكفر بالذنب   ويجعل مرتكب الكبيرة  كافرا  و هذا مذهب الخوارج  ولذلك لم ينج من تكفيرهم كبار الصحابة والتابعين
 ألم يستحلوا دم علي كرم الله وجهه؟  
وقال قائلهم  في مدحه /
يا ضربة من تقي ما أراد بها       إلا ليبلغ من ذي العرش رضوانا
اني لأذكره يوما فاحسبه            أوفي البرية عند الله ميزانا
أكرم بقوم بطون الطير أقبرهم      لم يخلطوا دينهم بغيا وعدوانا
 فقال فيه أحد العلماء  
بل ضربة من شقي  ما أراد بها    الا ليبلغ من ذي العرش خسرانا
اني لاذكره يوما فاحسبه           أشقي البرية عند الله ميزانا
أما المذهب الاخر وهو مذهب المرجئة الذين لا يقيمون للعمل الصالح وزنا فهؤلاء كذلك لم يكونوا علي صواب في نحلتهم
أما مذهب أهل السنة والجماعة   فإنهم يكفرون القول ولا يكفرون قائله ويبحثون للمبتدع  عن كل مندوحة و  باب حتي لا يخرجوه من باحة الاسلام   خوفا من الوعيد  الوارد في ذلك
أما فيما يتعلق بقصة السنة والشيعة  فقضيتهم أبعد من أن تناقش وعلي الرغم من وجود طوائف  منهم  يري البعض بخروج بعض الاقوال المنسوبة اليهم عن الاسلام إلا انهم بقوا دائما ضمن دائرة الاسلام ولم يكن من ديدن السلف الصالح الفتوي بشان جهادهم    وإثنائهم عن عقائدهم   فهل جاهدهم صلاح الدين وهل أفتي سلطان العلماء العز بن عبد السلام بذلك ؟
أما قضية ظلم الحاكم فهذه قصة  أخري لا علاقة لها بكفره من عدمه ولقد أحسن  شيخنا و خالكم  العلامة محمد سالم ولد عدود  رحمه الله   عندما قال
إلا إذا قدر أن يزاحا     بغير فتنة فلا جناحا
فالتدافع بين الحاكم والمحكومين قضية طرفاها  اثنان هما :
- مستوي ظلم الظالم
- والخوف من الفتنة
 والترجيح بين الامرين قد يقع فيه الخلاف في التقدير لكنه في كل الاحوال لا علاقة له  بكونه كافرا أم ورعا تقيا وقد خرج بعض  المسلمين علي عثمان رضي الله لأنهم لم يرضوا بحكمه فلم يكفر السلف  أحدا من الطرفين وأمرنا بالوقوف بالحياد لعدم معرفتنا بحيثثيات ومناطات الموقفين
وقد قال النابغة الغلاوي
قلت ولا يرتد الا ما انشرح   بالكفر صدرا وسوي ذاك انطرح
 وقال  أيضا
قلت وقال شيخنا وخالي   عبد الاله بزمان خالي
لو حضر خليل بدلا   مراعيا طوارئا وعللا
 وما قرره العلماء من ضرورة عدم التكفير بالذنب بالنسبة لعامة المسلمين ينطبق علي خاصتهم  بما في ذلك حكامهم اذ التكفير من أمور الاخرة يستوي فيه الحاكم والمحكوم ولا عبرة فيه بالمقامات الدنيوية الزائلة
 ثم أن الحديث الوارد بشان افتراق الامة علي ثلاث وسبعين فرقة  و علي الرغم مما قيل قيه -وأنتم أدري بذلك بلا شك -  يدل علي ان كل هذه الفرق هي من فرق الاسلام وليست من فرق الكفر
أما قضية الفتنة بين الاحزاب  السياسية فتلك قضية أخري فصلها القرآن الكريم تفصيلا بقوله تعالي (وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (9) إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (10) [الحجرات : 9 ، 10
 أما قضية الجهاد فلا شك أنكم لا تعنون الجهاد بمفهومه الاصلي الذي هو  قتال الكفار لإعلاء كلمة الله ذلك لان الجهاد بهذا المعني له موانع شرعية وموانع موضوعية وأخري دولية  وإذا كان هو المقصود  فان اسرائيل  أحري بذلك من سوريا ؟
اعرف أنكم تعنون أن قتال الباغية  جهاد  كما نص عليه خليل في مختصرة غير أن التعريف  الذي ذكره ابن عرفة ينطبق بالقصد الاول علي الخارجين علي السلطان  واذا سلمنا بعدم صحة إمامة الاسد وبجواز خروج هؤلاء فهل تنقلب الاباحة الي وجوب ؟
وما هو حكم المقاتلين معه  ممن يرون أنفسهم مسلمين  يقاتلون البغاة ؟
بهذا التوصيف يكون  القاتل والمقتول كلاهما  في جهاد
وهذا باطل   لقادح  فساد الاعتبار وهو مصادمة النص الثابت وهو قوله صلي الله عليه وسلم (اذا التقي المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول كلاهما في النار قالوا هذا القاتل فما بال المقتول  قال كان حريصا علي قتل صاحبه )
والشاهد في هذا كله  ان فتنة التكفير عندما تفتح لن ينجو منها العالم ولا التقي وسيصل أوارها الجميع  و ان الفتن   تفسد الاديان كما تفسد الاوطان 
هذه ملاحظات أولية أردت التذكير بها  فلا عبرة في الاسلام بكثرة القائلين ولا بكثرة الانصار (وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ بَلْ أَتَيْنَاهُمْ بِذِكْرِهِمْ فَهُمْ عَنْ ذِكْرِهِمْ مُعْرِضُونَ ( [المؤمنون : 71]
صدق الله العظيم

د. الشيخ ولد الزين ولد الامام 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ


  تغريدة فكر

الاثنين 13 ـ 05 ـ 2013


كلما هممت أن أكتب في مجال من مجالات الفكر والإبداع دعاني داع إلى الإرعواء عن ما أنا بصدده، لا لشيئ إلا لأني طالما فكرت في كسر الحواجز بين الأفكار والعواطف التي تدور في داخلي، وإعادة روح المودة بينها، إلا أنني ذات مرة فكرت ـ رغم صراع فكري وعاطفتي ـ في التخلص من هذا الداعي وهذا المحبط، فأخذت أكتب عن تجربتي المريرة مع هذا الصراع محاولا إيجاد حلول ناجعة لهذا المشكل، وزعما مني أنه ربما يجد حلا في يوم من الأيام، لذا فأنا أنشد السلام والمحبة، فهما لعمري مطلب طالما شغلت فيهما فكري، وأوليتهما اهتمامي، سعيا لإبقاء روح المودة والانسجام وإشاعة روح الألفة والالتئام، لكن، لا ألبث طويلا حتى يسود الصدام وتحتدم المعارك من جديد، فأحاول إخمادها فألجأ في ذلك إلى عاطفتي التي لا تسعفني كثيرا في مثل هذا الحال، نظرا لتشويشها، وقلة باعها وفقهها في روح التجربة والخبرة، إنها باختصار "ثورة في داخلي"، تتأجج كلما اصطدم المنادون بالحرية والسلام، والعيش الكريم باطمئنان، بعمود الذين يركنون إلى الذل والهوان... 

وقفت وإياهم يتردد في آذاننا صدى قول الشاعر:

سنوات من الحزن مرت      مات فيها "الصفصاف" و"الزيتون"

سنوات فيها استقلْت من الحب       وجفت على شفاهي اللحون

سنوات فيها اغتالنا اليأس            وعلم الكلام واليانسون

فانقسمنا قبائلا وشعوبا               واستبيح الحمى وضاع العرين

إنه في الحقيقة صراع محتدم بين الآراء والأفكار، كلما بسطت فكرة نفوذها وسيطرتها على الأخرى، أو على بناتها، بدأت تطفوا على السطح فكرة جديدة منذرة باجتياح الأفكار في تلك المنطقة، وفي انتظار إيجاد حلول مرضية تعيد الأمور إلى نصابها أظل جاثيا بلا فكر ولا عاطفة!!

محمد يسلم ولد محمد فال